في سباقات المسافات الطويلة، يدخّر العداؤون قدراً كبيراً من طاقتهم حتى نهاية السباق. وحين يدقُ الجرس معلناً بدء الجولة الأخيرة ينطلقون بأقصى سرعة في محاولة للتتويج وانتزاع الذهب.

وكأبطال العدو، ركض المصري عمر مرموش منذ انتقاله إلى ألمانيا عام 2017 بخطوات متمهلة أثارت الشكوك حول قدرة خريج نادي وداي دجلة على التألق في أوروبا، وحين دقت أجراس العام الحالي 2024، شحذ المصري همته واستنفر طاقته، لينطلق بسرعةٍ جنونية متخطياً الجميع..

لا تنظر تحت قدميك

منذ كان ناشئاً في صفوف وادي دجلة، كان واضحاً أن مرموش يأبى السير في الطرق التقليدية التي يُفضلها اللاعبون المصريون بحثاً عن الشهرة والمال في وقت قياسي.

بعد أن لعب للفريق الأول في النادي الذي يقع على بعد كيلومترات قليلة من منزله في حي المعادي جنوب القاهرة، وبعد أن جذب الأنظار إليه، كان منطقيّ أن ينتقل مرموش إلى الأهلي أو الزمالك قطبي الكرة المصرية، ويبدأ هناك خطوة كبرى في مسيرته مدعوماً بملايين المشجعين، لكنّه فضل الانتقال إلى ناشئي فولفسبورغ، فضّل أن يكون في الظلٍ بعيداً عن الأضواء والشهرة في انتظار تلك اللحظة التي سيُفتح فيها الباب ليشارك مع الفريق الأول.

ورغم أن تلك الفترة كانت “الأصعب في حياة مرموش” وفقاً لوصف اللاعب نفسه، الذي عانى من صعوباتٍ كثيرة تتعلق باللغة واختلاف الثقافة، إلّا أن مرموش لم ييأس، ولم يحزم أمتعته ليعود سريعاً إلى مصر. 

لم ينظر مرموش تحت قدميه. ولم يتأثر بقسوة اللحظة الراهنة فيدفعه الإحباط لاتخاذ قرارات متسرعة، أو يُجبره الخوف على السير في الطرق الآمنة. كل ما يهمّه أن يكون جاهزاً دوماً للجولات الحاسمة من السباق. 

ما قبل الانفجار

احتاج مرموش عامين ونصف حتى يصبح قادراً على المشاركة مع الفريق الأول لفولفسبورغ، واحتاج فترة أطول ليُثبّت أقدامه كلاعبٍ بارز في البوندسليغا. عام مع سانت باولي بالدرجة الثانية، وعام مثله معاراً إلى شتوتغارت، وعام ثالث مع فولفسبورغ، قبل أن يحزم أمتعته متوجهاً إلى فرانكفورت. 

في الأشهر الأخيرة من عام 2023، وفور انتقاله إلى آينتراخت في صفقة انتقال حر، قدم مرموش ما يمكن وصفه بـ”مقدمات  الانفجار الكبير” الذي بدأ لاحقاً في أغسطس الماضي مع انطلاق موسم 2024-2025. 

استغنى آينتراخت عن خدمات راندل كولو مواني الذي انتقل في صفقة ضخمة إلى باريس سان جيرمان بطل فرنسا. استلم المصري راية الهجوم، وكان لافتاً أن مرموش الذي قضى أغلب مسيرته كجناح أيسر، بات قادراً على أداء مهام رأس الحربة رقم 9، ببراعة واتقان كبير بعد رحيل مواني. 

وعدا ضربات الرأس، أصبح مرموش أقرب إلى المهاجم المتكامل القادر على التسجيل والصناعة والمراوغة بإتقان كبير. 

قراران حاسمان

اتخذ مرموش قرارين حاسمين ساهما في الطفرة الكبيرة التي شهدتها مسيرته مؤخراً. الأول كان في 2023 حين رفض تمديد عقده مع فولسفبورغ.

تعنّت النادي الألماني في مفاوضاته مع مرموش وتحدث مسؤولوه علانية عن أن النادي “لن ينفذ مطالب النجم المصري المالية لأنه غير واثق من قدرة مرموش على التحول لأحد أبرز المواهب في أوروبا”، في الوقت نفسه، كان مرموش رغم أدائه الجيد مع الفريق يجد نفسه في كثيرٍ من المباريات على مقاعد البدلاء، وفي مباراة ضد بوخوم قرر المدرب نيكو كوفاتش سحب مرموش من أرض الملعب بعد الدفع به بـ19 دقيقة.

كانت الأجواء متوترة لذا قرر مرموش الرحيل إلى آينتراخت الذي يحتل مركزاً أفضل في جدول الترتيب، ويشارك بشكل منظم في المسابقات الأوروبية. 

القرار الثاني اتخذه عمر في صيف 2024، فبعد ظهوره بمستوى جيدٍ مع فرانكفورت وكذلك مع منتخب مصر في كأس الأمم الإفريقية التي أقيمت مطلع العام، تلقى عمر عرضاً من الدوري الإنجليزي في الأيام الأخيرة من الميركاتو من نوتنغهام فورست.

وفقاً لتقارير متعددة من بينها “سكاي سبورتس”، فإن نوتنغهام لم يطرق باب آينتراخت على استحياءٍ لضم مرموش لكنّه طرقه ثلاث مراتٍ بثلاث عروضٍ رسمية، اقترب أعلاها من حاجز الـ30 مليون جنيه إسترليني. 

المقابل الكبير الذي عرضه الفريق الإنجليزي جعل إدارة النادي الألماني تفتح الباب ولو قليلاً لكنّها فوجئت أن اللاعب نفسه يُغلقه وبقوة. تمسك مرموش، الذي تحدث أكثر من مرة في فترات سابقة عن إعجابه الكبير بالدوري الإنجليزي، بالبقاء مع آينتراخت لموسم ثانٍ.

تقارير مصرية نقلت عن مصادر مُقربة من مرموش حينها أن قرار رفض العرض الإنجليزي جاء بعد دراسة متأنية من وكلاء مرموش لسياسة نوتنغهام فورست في التعاقدات، حيث اعتاد النادي إبرام صفقات كثيرة والاستغناء عنها في وقت سريع. ورأى فريق العمل أن الانتقال للبريميرليغ عبر بواية نوتنغهام ينطوي على مخاطرة كبيرة. 

كان عُمر ينتظر فرصة أكثر استقراراً في نادٍ أكبر، وبعد أشهر قليلة سيُطرق الباب مجدداً لكنّ الطارق هذه المرة ليس نوتنغهام. 

الجولة الأخيرة

لحظة انطلاق الموسم الحالي 2024-2025 كانت بمثابة جرس الجولة الأخيرة في السباق الذي بدأه مرموش في فولفسبورغ قبل أكثر من سبعة أعوام.

وبعد أن اكتفى بإحراز 5 أهداف بالبوندسليغا في آخر مواسمه مع فولفسبورغ، ورفع العدد إلى 12 هدفاً في الموسم التالي مع آينتراخت، كان السؤال الذي تردد قبل انطلاق الموسم الحالي هو: إلى أي مدى يستطيع مرموش التطور؟

بسرعته الفائقة، تخطى مرموش جميع مهاجمي الدوري الألماني في بدايات الموسم. ليس هذا فحسب بل حتى مطلع ديسمبر 2024 كان عُمر اللاعب الأكثر مساهمة في الأهداف في الدوريات الأوروبية الخمس الكبرى، متفوقاً على مواطنه محمد صلاح. 

ليفربول ومانشستر سيتي وجاره يونايتد وغيرهم انضموا إلى سباقٍ محتدم للظفر بخدمات مرموش، الذي تأكد للجميع أن رفضه الانضمام إلى نوتنغهام قبل أشهرٍ كان قراراً صائباً، رغم النتائج المميزة لكتيبة نونو سانتو في البريميرليغ. 

بات مرموش النجم الأول لفريقه، والنجم الأبرز في البوندسليغا، وذهب لوثار ماتيوس أسطورة الكرة الألمانية أبعد من ذلك حين قال في نوفمبر الماضي إن “مرموش أفضل لاعب في العالم في آخر 3 أشهر”. 

طوى مرموش النصف الأول من الموسم الحالي وفي رصيده 18 هدفاً بالإضافة إلى 12 تمريرة حاسمة خلال 24 مباراة فقط، ويتبقى فقط النصف الآخر من الجولة الختامية التي سيودّع بعدها دون شك الكرة الألمانية صوب منافسة أقوى وأكبر.